تعزيز مشاركة الموظفين في العمل لتحقيق النجاح: قوة القائد الداعم لمشاركة الموظفين
لماذا يشعر عدد كبير من الموظفين بالانفصال عن العمل؟ قد يتسبب في ذلك عوامل كثيرة، لكن المؤكد أن انعدام الإحساس بالمشاركة لدى القادة يؤدي إلى انعدام الإحساس بالمشاركة لدى الموظفين أيضاً. على العكس تماماً، اهتمام القادة بالمشاركة يؤدي إلى اهتمام الموظفين بها.
لنتطرق إلى مشاركة القيادة وكيفية تعزيزها.
ما أهمية مشاركة القيادة؟
يُمكِن القول إن مشاركة القيادة كانت السبب الذي مكَّن جيمي ديمون من قيادة جي بي مورجان تشيس بنجاح خلال الأزمة المالية عام 2008، حيث حافظ على عمله وحوَّل الشركة إلى أحد أكبر البنوك في العالم، في حين أن كل من عاصروه خلال 2008 اضطرتهم الظروف إما إلى بيع مصارفهم أو التقاعد بشكل مخزٍ أو كليهما معاً.
في الفترة التي سبقت الأزمة المالية، ركِّز المسؤولون التنفيذيون في وول ستريت جهودهم على تعظيم الأرباح قصيرة الأجل بهدف رفع مكافآتهم إلى أقصى درجة ممكنة. وواصلوا العمل بنفس الطريقة بعد أن استحكمت الأزمة، ولم يبذلوا جهداً في إنجاح المؤسسات القائمين على قيادتها.
في نفس الوقت، أحجم ديمون عن المخاطرات التي أقبل عليها نظراؤه، وعمل على تقوية ميزانية جي بي مورجان تشيس لتتمكن المؤسسة من تخطي الأزمة. لماذا فعل ذلك؟ لأنه استوعب أن مهمته هي التأكُّد من تحقيق المصرف النجاح على المدى الطويل.
لماذا إذاً يصنع القادة المقبلون على المشاركة الفعالة والداعمون لمشاركة الموظفين علامة فارقة؟
لا يخلو أي فريق في أي مؤسسة من وجود قائد، ومن شبه المستحيل أن ينجح القائد في دعم مشاركة فريقه إذا لم تكن لديه هو نفسه رغبة في المشاركة، لأن المشاركة تنبع من القمة أولاً.
المديرون من المستوى المتوسط بمثابة الجسر بين رؤية القيادات التنفيذية والموظفين المسؤولين عن تنفيذها.
يتولى الرؤساء التنفيذيون وغيرهم من القادة التنفيذيين مسؤولية وضع الرؤى المراد تحقيقها، سواء كان ذلك على مدار عدة أشهر أو عدة سنوات، بينما يتولى الموظفون مسؤولية إنجاز المهام اليومية التي تساعد على تحقيق هذه الرؤى على أرض الواقع. لذلك، على القيادات الوسطى سد الفجوة بين هاذين المنظورين المختلفين، بمعنى أن يترجموا الرؤية التنفيذية المستقبلية إلى خطوات إجرائية يستطيع الموظفون تنفيذها. لإنجاز هذا الدور بنجاح، على القادة المشاركة في الرؤية بفاعلية.
لدراسة ذلك على أرض الواقع، دعنا نناقش الأزمة المالية في عام 2008 مرة أخرى. في بداية القرن الحادي والعشرين كانت أغلب البنوك تحت رئاسة مسؤولين تنفيذيين لا يهتمون بالمشاركة الفعالة، لأن رؤيتهم تتلخص في تحقيق الأرباح على المدى القصير.
على الجانب الآخر، نرى أن القيادات المتوسطة في جي بي مورجان تشيس، على شاكلة تشارلي شارف، تلافت مثل هذه المجازفات، وأفصحت للمساهمين بنزاهة عن الموقف المالي المتردي للشركة. يوضح ذلك أهمية الرؤية الصحيحة، والدور الهام الذي تؤديه القيادات الوسطى لتنفيذ هذه الرؤية، كما يتجلى مفهوم انتقال المشاركة الفعالة من القادة إلى الموظفين.
القيادة الداعمة لمشاركة الموظفين تفرز موظفين مقبلين على المشاركة، مما يقلل من تأثير انخفاض معدل بقاء الموظفين.
في تقرير مؤسسة جالوب عن الوضع العالمي للقوى العاملة لعام 2023، ذكرت المؤسسة إن “الموظفين المقبلين على المشاركة الفعالة يشترطون زيادة الأجر بنسبة 31% للانتقال إلى العمل في مؤسسة أخرى، أما الموظفون ذوي المشاركة الضعيفة أو المنعدمة قد يغيرون وظائفهم مقابل زيادة الأجر بنسبة 22% فقط”.
الموظف الذي يشارك في عمله بفاعلية ويشعر بقيمة عمله ويستمتع بممارسته، تزداد رغبته في الاستمرار فيه.
كيف تؤثر مشاركة القيادة في مشاركة الموظفين؟
من الجيد أن يكون لديك تعريفاً عملياً لمشاركة الموظفين. عرَّف ويلمار شوفلي وزملاؤه المشاركة في العمل بأنها “حالة مزاجية إيجابية مُرتبطة بالعمل، من سماتها الحيوية والتفاني والاستيعاب”.
انتهى البحث نفسه إلى أن مشاركة الموظفين تبلغ أقصى مداها مع إشباع حاجة الموظف إلى الشعور بالاستقلالية والجدارة والارتباط والقيمة.
متى تظهر مشاركة القيادة في الصورة؟ البحث الاستقصائي الذي أجراه شوفلي انتهى إلى أن القيادات المقبلة على المشاركة تدعم مشاركة الموظفين بشكلٍ مباشر وغير مباشر.
القيادات الداعمة لمشاركة الموظفين تشبع حاجتهم إلى الشعور بالاستقلالية والجدارة والارتباط والقيمة. القادة الذين ينجحون في ذلك يلجؤون إلى أساليب التمكين والدعم والترابط والإلهام.
هذه النوعية من القيادات الداعمة لمشاركة الموظفين تنمي مشاركة الموظفين وتعزز أداء الفرد والفريق وتقضي على الاحتراق الوظيفي والملل.
كما أوضح شوفلي في بحثه أن القيادات الداعمة لمشاركة الموظفين نجحت في زيادة “موارد الوظيفة”، مثل روح الفريق ووضوح الأدوار وتباين المهام، كما نجحت في تقليل “مطالب الوظيفة”، مثل الإجهاد الزائد في العمل والمطالب العاطفية والتداخل بين العمل والحياة الشخصية.
نجاح القيادات الداعمة لمشاركة الموظفين في هذا الدور يهيئ بيئة عمل تلبي احتياج الموظفين إلى الشعور بالاستقلالية والجدارة والارتباط والقيمة، مما يعني أن القادة الداعمين لمشاركة الموظفين سيعملون على تلبية احتياجات الموظفين من خلال أسلوب التعامل معهم.
القيادات الداعمة لمشاركة الموظفين تسعى إلى بناء أماكن عمل وثقافة مؤسسية أفضل، لكن ما خصائص القيادة الداعمة لمشاركة الموظفين؟ وما الذي يجب عمله لمساعدة القادة على تنمية هذه الخصائص؟
ما خصائص القيادة الداعمة لمشاركة الموظفين؟
القادة الداعمون لمشاركة الموظفين يلبون الاحتياجات الأساسية الأربعة للموظفين، وهي التمكين والدعم والترابط والإلهام.
القائد التمكيني: يمنح أفراد فريقه الحرية والمسؤولية والقدرة على المساهمة في توجيه الفريق، كما يكلفهم بمهام واضحة النتائج ويمنحهم فرصة اتخاذ القرار بشأن كيفية تحقيق هذه النتائج.
قد يعقد هذا النوع من القادة اجتماعاً أسبوعياً قصيراً مع فرق العمل للتعرف على مدى تقدمهم في مهام العمل وآرائهم بشأن أفضل طرق إكمالها. يبتعد القائد التمكيني تماماً عن سياسة الإدارة التفصيلية أو السيطرة مما يلبي حاجة أفراد الفريق إلى الشعور بالاستقلالية.
القائد الداعم: يساعد أفراد الفريق في النمو مهنياً ويوزع الأدوار فيما بينهم وفقاً لنقاط قوة كل فرد.
قد يكلف القائد الداعم فريقه بمهام صعبة لدفعهم إلى التطور باستمرار، ويهتم بعدم عرقلة نموهم المهني أو الانتقاص من إمكانياتهم، ليلبي حاجتهم إلى الشعور بالجدارة.
القائد الترابطي: يقوي روح الفريق ويرسخ العمل الجماعي عن طريق تيسير التعاون بين أعضاء الفريق، على الأخص من تتوافق نقاط قوتهم معاً. يسعى هذا القائد إلى التعرف على شخصيات أعضاء الفريق، ويحثهم على أن يتعرفوا على بعضهم بعضاً أيضاً.
القائد الترابطي لا يلجأ أبداً إلى عزل أفراد الفريق بعضهم عن بعض، ولا يتسبب في إثارة التنافس القوي بينهم. يلبي هذا الأسلوب القيادي حاجة الفريق إلى الشعور بالارتباط.
القائد المُلهِم: يرسم هدفاً مشتركاً ورؤية موحدة للفريق ككل، ويوضِّح للفريق قيم المؤسسة ورسالتها ومساهمة جهودهم في تحقيقها.
القائد الملهم لا يدخر جهداً للإشادة بإسهامات أعضاء الفريق في تحقيق الرؤية الشاملة للمؤسسة، ولا ينتقص أبداً من أهمية عمل أي فرد في الفريق أو يقلل من قيم المؤسسة. يخاطب هذا النوع من القيادة حاجة الفريق إلى الشعور بقيمة عملهم.
القائد الذي يمتنع عن المشاركة الفعالة أو يؤدي عمله دون اهتمام، سيعجز عن القيادة بفاعلية لأنه سيعجز عن إشباع احتياجات الموظفين النفسية التي تساهم في مشاركتهم في العمل بفاعلية. القائد الذي يفتقر إلى المشاركة الفعالة سينقل نفس الشعور إلى الموظفين.
استراتيجيات تعزيز مشاركة القيادة
للاستفادة من مزايا مشاركة القادة مشاركة فعالة، ما الاستراتيجيات التي يمكن تنفيذها لزيادة مشاركة القادة قدر الإمكان؟
يمكنك ترقية القادة المهتمين بالمشاركة الفعالة على رأس الهيكل المؤسسي.
لتوضيح الأمر بشكل أكبر، لنلقِ الضوء على بعض أسباب انعدام المشاركة، لا سيما على مستوى الوظائف القيادية. ما الممارسات التي قد تساعد القادة على المشاركة وتحقيق النجاح؟ كشفت دراسة لمؤسسة جالوب حول مشاركة القادة في تايلاند الأسباب الرئيسية الآتية:
العقبة: “التغيرات السريعة”
حسبما جاء في تحليل الدراسة، “شهدت مؤسسات عديدة في تايلاند قدراً من التغيير على مستوى الإدارة أو الرؤية أو الرسالة أو أهداف الأداء على مدار الأعوام القليلة الماضية”.
هذه العبارة صحيحة بصورة أو بأخرى في مؤسسات عديدة حول العالم، وليس في تايلاند وحدها، فقد نتج عن عدم الاستقرار الاقتصادي والتطور التقني وتغيُّر القوانين وتبدُّل المشهد الجيوسياسي ظهور تغيرات سريعة في مختلف المؤسسات من جميع القطاعات.
على المؤسسات تعديل رؤيتها وأهدافها لكي تتمكن من التكيُّف مع التغيرات. قد يؤدي ذلك في النهاية إلى شعور بعض القادة بالانفصال وابتعادهم عن المشاركة، إذا لم يتمكنوا من استيعاب التصور الشامل والحاجة إلى التغيير.
الحل: طرح رؤية واضحة
على المسؤولين التنفيذيين أن يتأكدوا باستمرار من تأييد القادة لرؤية المؤسسة واستيعابهم لها بوضوح، حيث سيساعدهم ذلك في التعامل مع التغيُّرات السريعة.
يتحقق ذلك بالتأكد من معرفة القادة لاتجاههم وإلى أين يقودون فرقهم، وأيضاً الأسباب التي تدفعهم إلى إشباع حاجة الموظفين إلى الشعور بالقيمة. سيساعدك في ذلك وضع بيان واضح مكتوب برؤية المؤسسة خلال المستقبل القريب.
يجب أن يرتبط هذا البيان بقيم المؤسسة، كما يجب تحديثه دورياً على فترات غير ثابتة وفقاً لاحتياجات المؤسسة. إدراك اتجاه المؤسسة سيساعد على إشباع حاجة القادة والموظفين إلى الشعور بالقيمة.
العقبة: “الرقابة الشديدة”
العقبة الثانية التي ألقت الدراسة الضوء عليها هي الرقابة الشديدة من المسؤولين التنفيذيين، حيث أثبتت أن هذا النوع من القادة يثير الإحساس بالتزعزع بين القادة الآخرين. وقد يحدث ذلك في جميع الدول والثقافات أيضاً.
الحل: استقلال القادة
تتجلى أهمية القيادة التمكينية في هذه الحالة، فالقادة والمسؤولين التنفيذيين عليهم أن يمنحوا القيادات المتوسطة الاستقلالية. كما أنه في حالة وضع رؤية واضحة المعالم للمؤسسة، يجب الوثوق في قدرة المديرين على تنفيذ هذه الرؤية على أفضل وجه، لأنهم لا بد أنهم وصلوا إلى هذا المنصب عن جدارة، مما يجعل الثقة في قدرتهم على تأدية مهام عملهم أمراً حتمياً. يساعد ذلك القادة على إشباع حاجتهم إلى الشعور بالاستقلالية.
العقبة: “سوء الإعداد”
العقبة الأساسية والأخيرة التي تناولتها الدراسة هي سوء الإعداد، فقد أوضحت الدراسة أن العديد من المسؤولين التنفيذيين قد تدرجوا في المناصب العليا بسرعة نسبية نتيجة لحُسن أدائهم في وظائفهم السابقة، لكنهم لم يتلقوا بالضرورة التدريب الكافي ولم يحصلوا على فرص النمو اللازمة لمساعدتهم في تولي مسؤولياتهم الجديدة. تنتشر هذه المشكلة في مختلف المؤسسات حول العالم.
الحل: تعزيز قدرات القادة
يمكنك حل هذه المشكلة بسهولة وبساطة من خلال تحسين قدرات القادة بما يمنحهم كل ما يحتاجون إليه للتميُّز. بمعنى آخر، يجب أن تكلفهم بالمهام والدورات التدريبية المناسبة لقدراتهم لتلبية شعورهم بالجدارة.
الخاتمة
العقبات التي تطرقنا إليها موجودة في أغلب المؤسسات، وتُعدُّ كل واحدة منها فرصة لتنفيذ استراتيجيات مشاركة القيادة وتوضيح جانب آخر من جوانب القيادة المقبلة على المشاركة. يترتب على ذلك رفع معدل الاحتفاظ بالقيادات بإعداد وتأهيل مستوى الإدارة المتوسطة والمسؤولين التنفيذيين ليصبحوا قيادات داعمة للمشاركة الفعالة. تقدم نوليدج سيتي في هذا الصدد العديد من الدورات التدريبية لمساعدة القادة على غرس ثقافة تطوير المهارات القيادية وتكوين فريق من القادة العظماء. شاهد دورتنا التدريبية “بناء القائد للعلاقات” لتعلّم المزيد وفهم القدرة على تحديد قادة المستقبل وتدريبهم.
اشترك في نشرتنا الدورية
انضم إلى أكثر من 80,000 من خبراء الموارد البشرية واحصل على أفضل النصائح والإرشادات المتعلقة بالتدريب والتوظيف مباشرة على بريدك الإلكتروني. انضم وكُن من أفضل مديري الموارد البشرية الآن.