استراتيجيات صحة الموظفين في العمل عن بُعد كلياً أو جزئياً
لقد أصبح العمل عن بُعد، سواء بشكلٍ كامل أو جزئي، حقيقة واقعة في الكثير من الشركات الآن، ومن المُرجَّح أن يستمر هذا التوجه مع سعي المزيد من الشركات إلى خفض التكاليف وزيادة الإنتاجية من خلال عمل الموظفين من المنزل أو في أماكن أخرى خارج المقر الرئيسي لشركتهم. في الواقع، بحلول نهاية عام 2022 ستتبنى 60% تقريباً من جميع الشركات نموذج العمل المُختَلَط.
على أصحاب العمل وضع استراتيجية شاملة تهتم بصحة الموظفين في مكان العمل لتقدم لهم الدعم الذي يحتاجون إليه.
تهدف استراتيجية الاهتمام بصحة الموظفين إلى بناء بيئة عمل يتمتع فيها الموظفون بالصحة والسعادة. وفقاً لاستبيان العمل الذي أجرته شركة Vitality Group، من المرجح أن يستقيل 23% من الموظفين خلال فترة الستة إلى اثني عشر شهراً القادمة إذا شعروا بعدم تلبية احتياجاتهم الصحية والشعورية والنفسية في مكان العمل. بالإضافة إلى ذلك، قال 73% من المشاركين إنهم يتوقعون أن يساعدهم رؤساؤهم في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية.
من المهم ألا تركز فقط على الصحة البدنية، لكن أيضاً الصحة الشعورية والنفسية. قد تجد صعوبة في تحقيق ذلك في حالة العمل عن بُعد بسبب عدم إمكانية التفاعل مع زملائك وجهاً لوجه كل يوم، لكن لاحقاً في هذا المقال ستتعرف على عدة عناصر قد تساعدك في وضع استراتيجية ناجحة تهتم بصحة الموظفين الذين يعملون عن بُعد.
لماذا يجب أن تهتم المؤسسات والشركات بالصحة في مكان العمل؟
تنمو حركة الاهتمام بالصحة في مكان العمل بسرعة ولأسباب وجيهة.
مع قضاء الموظف أكثر من 9 ساعات يومياً في مكان العمل، أصبح من المهم الآن، أكثر من أي وقت مضى، أن يستمتع الموظفون بوقتهم في المكتب. لكن أصبح الاحتفاظ بالموظفين يُشكِّل تحدِّياً كبيراً للشركات في القطاعات المختلفة.
وفقاً لدراسة صحة الموظفين لعام 2021 التي أجرتها شركة Alight، وصلت نسبة جودة تجربة الموظفين إلى أقل معدلاتها عند 23%، أي أن موظفاً واحداً فقط من كل 5 موظفين يحظى بتجربة إيجابية في العمل بشكل عام. كما ذكرت الدراسة أن 54% من الموظفين قد مروا بتجربة عمل سيئة أو مريرة.
هذه الإحصاءات وحدها كفيلة بإثارة القلق، لكنها تُصبح أكثر سوءاً عند التفكير في أن تكلفة استبدال الموظف الواحد قد تصل إلى 150% من راتبه.
يوجد ارتباط وثيق بين تجربة الموظف وصحته وإنتاجيته، ولكن لم يعد منح الموظفين عضوية لصالة ألعاب رياضية أو توفير وجبات خفيفة مجانية في مطبخ المكتب كافياً. يحتاج الموظفون من أصحاب العمل ما هو أكثر من مجرد الراتب؛ يحتاجون إلى أن يكونوا محل اهتمام بصفتهم أشخاصاً.
يتحمل أصحاب العمل مسؤولية توفير بيئة صحية ومُشجِّعة على الإنتاج لموظفيهم، ويبدأ ذلك بتوفير المكان المادي نفسه ويمتد إلى البيئة الاجتماعية المحيطة به.
بينما تبنت بعض الشركات نظام العمل عن بُعد، وضعت الكثير من الشركات الأخرى سياساتها للعمل عن بُعد دون أن تهتم بتأثيرها في صحة الموظفين وإنتاجيتهم.
عندما يشعر الأشخاص بالرضا عن عملهم وحياتهم، تزداد احتمالية نجاحهم في العمل، لذلك من الطبيعي أن ينخفض معدل الدوران الوظيفي وتزداد الإنتاجية في الشركات التي يزيد فيها شعور الموظفين بالانتماء للشركة.
لذلك، يجب أن تهتم المؤسسات بتوفير برامج متنوعة للاهتمام بالصحة، بهدف مساعدة الموظفين على الحفاظ على التوازن الصحي بين حياتهم الشخصية والمهنية.
أولويات الموظفين حسب كل جيل
الاهتمام بصحة الموظفين شيء أساسي لجميع الأجيال، لكن تختلف الأولويات باختلاف الأجيال.
الجيل زد
الجيل زد هو أول جيل ينشأ في عالم رقمي، وهو متأقلم تماماً مع التكنولوجيا.
المنتمون إلى الجيل زد أكثر اهتماماً بالعمل في بيئة تنافسية تسمح لهم بالتعلّم والتكيف معها باستمرار. إنهم يريدون مديرين يهتمون بصحتهم، لكنهم لا يريدون الشعور بأن المدير مثل “الأم” التي تراقب أحوالهم دائماً.
يهتم الجيل زد بالتحكم في التوتر وتبني عادات غذائية صحية أكثر من الأجيال الأخرى، كما يهتمون باكتساب مهارات جديدة في العمل أو تحقيق التقدم في مسارهم الوظيفي.
يتمتع هذا الجيل بأهداف واضحة، وليست مجرد اتجاهات مبهمة، كما يريدون أن تبذل جهداً لتعزيز تطورهم المهني، بقدر ما يبذلون جهداً لتطوير عملك، مثل هذا التبادل هو أكثر ما يرضي الجيل زد.
جيل الألفية
يمثل جيل الألفية شريحة كبيرة من القوة العاملة، حيث يضيفون وجهات نظرهم الخاصة والفريدة على الحياة المهنية.
المنتمون إلى جيل الألفية أكثر اهتماماً بوضع العادات الغذائية الصحية على رأس أولوياتهم، مقارنة بالأجيال الأخرى، كما أنهم أكثر اهتماماً بممارسة التمرينات الرياضية. يسعى أبناء هذا الجيل إلى إدارة التزاماتهم العملية والشخصية وتحقيق التوازن بينها.
يعمل المنتمون إلى جيل الألفية على بناء علاقات وطيدة مع الآخرين، ويهتمون بالوعي المالي، ويجتهدون للالتزام بحدود قدراتهم المالية.
الجيل إكس
لقد تضرر الجيل إكس بشدة جراء الكساد الاقتصادي، واضطر الكثير من أفراد هذا الجيل إلى شغل وظائف بعيدة عن مجالهم أو تغيير مهنتهم أو تأخير تقاعدهم عن العمل.
يتعامل هذا الجيل أيضاً مع ذويهم المسنين الذين يريدون العيش بشكل مستقل، لكن لا يمكنهم تنفيذ ذلك بشكل فعلي.
يميل المنتمون لجيل إكس إلى التركيز بشكل أكبر على الأمان المالي، مقارنة بالأجيال الأصغر سناً، خاصة مع اقترابهم من سن التقاعد. وهم لا يريدون أن ينفقوا بشكل يفوق إمكانياتهم، بل يركزون بشكل أكبر على الاستثمار وادخار الأموال لاستخدامها في حالات الطوارئ. ولأنهم يخططون لحياتهم بعد التقاعد، فإنهم يسعون لتحقيق التوازن بين التزاماتهم العملية والشخصية واتباع عادات غذائية صحية.
جيل طفرة المواليد
يقترب أبناء جيل طفرة المواليد من نهاية حياتهم المهنية، وما زال لديهم الكثير من الالتزامات العائلية والقروض العقارية والمسؤوليات المالية الكبيرة الأخرى، لذلك لديهم وقت أقل للتركيز على صحتهم مقارنة بالأجيال الأخرى، لكنهم ما زالوا يريدون أن يعتنوا بأنفسهم ليحققوا أفضل أداء ممكن في العمل ويتقاعدوا دون ضغوط ليتمكنوا من الاستمتاع بحياتهم بعد التقاعد.
يشترك هذا الجيل مع الجيل إكس في الأولويات نفسها، لكنهم يهتمون بمتابعة صحتهم، ما يزيد من احتمالية خضوعهم للفحوصات الطبية أو متابعة أي حالات مرضية حالية.
استراتيجيات تعزيز صحة الموظفين
المبادرات الصحية
تُعد المبادرات الصحية من الأساليب الأكثر شيوعاً التي تستخدمها الشركات لدعم صحة الموظفين. وكما ذُكرنا في القسم السابق، يريد الموظفون ممارسة العادات الصحية، ويمكن لأصحاب العمل مساعدتهم من خلال استراتيجيات الدعم المالي وتوفير خصومات على عضوية النوادي الرياضية والوجبات الجاهزة.
يسعى الكثير من الموظفين أيضاً للهروب من مكاتبهم وبيئة العمل لبعض الوقت خلال اليوم، حتى إذا كان ذلك لبضع دقائق فقط في المرة الواحدة. لتحقيق ذلك يمكن للشركات أن توفر للموظفين مساحات طبيعية مثل مسارات للمشي أو أفنية أو حتى مقاعد في مواجهة حدائق طبيعية جيدة التنسيق لقضاء فترات راحة قصيرة.
مزايا التخطيط المالي
تُعد مزايا التخطيط المالي وسيلة رائعة لتعزيز صحة الموظفين، لأن الأمور المالية من أكثر مصادر التوتر شيوعاً في حياة الكثيرين.
وقد يساعد توفير فرص مجانية أو مُخفَّضة للتعاون مع مُخطِّطين ماليين واستخدام برامج تسديد الديون وتطبيقات إعداد الميزانيات وخطط التقاعد على شعور الموظفين بمزيد من الأمان تجاه مستقبلهم المالي مما يفيد العمل أيضاً.
فترة ملائمة من الإجازات مدفوعة الأجر
تُعد الإجازات مدفوعة الأجر جزءاً مهماً من مجموعة المزايا التي تقدمها أي شركة، ويجب أن تكون على رأس الأولويات عند محاولة تعزيز صحة الموظفين. من المهم أن تكون لديك خيارات متنوعة تتوافق مع احتياجات الموظفين، بدءاً من أيام العطلات الثابتة إلى المرونة في مواعيد العمل وأيضاً والإجازات مدفوعة الأجر.
كلما زادت الخيارات التي توفرها، زادت فرصتك في الاحتفاظ بالموظفين المهمين الذين سيستمرون في العمل لدى شركتك لفترة طويلة.
بالإضافة إلى توفير سياسات سخية فيما يتعلق بالإجازات مدفوعة الأجر، تأكد من استيعاب فريقك لمدى أهمية الاستفادة من أيام الإجازات. شجِّع فريقك على استخدام الإجازات مدفوعة الأجر من خلال توفير أمثلة على أوقات الاستفادة منها وأهمية ذلك.
في النهاية
تُعد صحة الموظفين مكوناً أساسياً في نجاح أي شركة عالية الأداء. يحقق التركيز على صحة الموظفين نتائج أهم كثيراً من الأرباح، ويشمل أيضاً إنشاء ثقافة الانتماء والثقة والتأكد من سعادة الموظفين في وظائفهم.
بناء بيئة عمل صحية وداعمة لا يحدث بين عشية وضحاها، لكن إذا كنت تريد أن يشعر الموظفون بالسعادة والقدرة على تحقيق الإنتاجية، فالأمر يستحق استثمار الوقت في تحقيقه.
اشترك في نشرتنا الدورية
انضم إلى أكثر من 80,000 من خبراء الموارد البشرية واحصل على أفضل النصائح والإرشادات المتعلقة بالتدريب والتوظيف مباشرة على بريدك الإلكتروني. انضم وكُن من أفضل مديري الموارد البشرية الآن.