فن الإقناع باحترام في بيئة العمل
بداخل كل شركة ناجحة فريق موارد بشرية متعاون ينصب تركيزه على تحقيق النتائج. على الرغم من أن الناس عادة ما يتصورون أن فريق الموارد البشرية يتعامل مع المشكلات الأكثر صعوبة داخل الشركة، مثل تسريح الموظفين، فإن أفراده يتولون مهام أخرى مثل معالجة الخلافات داخل الشركة وتشجيع الموظفين على المشاركة مع فرقهم.
لكن الموظفون، لا سيما الأصغر سناً، يحتاجون إلى المزيد من الشركات وفرق الموارد البشرية. وفقاً لمركز جالوب، يُقدِّر الموظفون الذين ينتمون إلى الجيل زد وجيل الألفية أخلاقيات القيادة والشفافية والاحترام.
كيف يتعامل مسؤول الموارد البشرية مع احتياجات الموظفين؟ أول شيء يمكنه فعله هو تحسين مهاراته في التواصل، وعلى وجه التحديد مهارات التواصل بهدف الإقناع. يتبع هذا النوع من التواصل نهجاً أخلاقياً يسمح ببناء الثقة والاحترام المتبادلين بين الموظفين ومديريهم.
لننظر إلى أهمية تدريب فريق الموارد البشرية على التواصل بهدف الإقناع، وكيف يمكن لهذا الأسلوب التعاوني أن يحقق فوائد مذهلة.
ما التواصل بهدف الإقناع؟
ليس غريباً أن يرجع أصل التواصل بهدف الإقناع في الأساس إلى علم النفس. تُعرِّف جمعية علم النفس الأميركية التواصل بهدف الإقناع أنه “معلومة يُقصَد بها تغيير أو دعم موقف شخص أو تصرفه، وتتخذ شكلاً مكتوباً أو مسموعاً أو مرئياً أو سمعياً أو بصرياً”.
مثلث أرسطو
رغم وجود مصادر معرفية كثيرة عن الإقناع، فإنه لا يوجد تعريف ثابت له. يرجع أحد هذه المصادر إلى الفيلسوف الإغريقي أرسطو، الذي وضع مفهوم مثلث الإقناع.
قد لا يقدم هذا المثلث دليلاً شاملاً لعملية الإقناع، ولكنه بداية مناسبة لما يضعه من أسس للتأثير على الآخرين.
يتكون مثلث أرسطو من ثلاثة أضلاع هي:
الأخلاق: الضلع الأول هو مصداقية المُقنِع وصدق شخصيته. من المنطقي أنه دون مصداقية لن يكون للتواصل بهدف الإقناع أي أساس يستند إليه. يجب أن تثبت أنك جدير بالثقة وكفؤ وذو سلطة، وإلا لن يأخذ الطرف الآخر حديثك على محمل الجدية.
العاطفة: هنا يراعي الشخص مشاعر المستمع. عندما يشعر المرء بأن مشاعره محل تقدير، تزداد احتمالية موافقته مع رسالتك، لكن لذلك فوائد أخرى، بخلاف التأثير على الشخص، حيث غالباً ما تؤدي مراعاة مشاعر الطرف الآخر إلى نتيجة مفيدة للطرفين.
المنطق: هذا الضلع يخاطب العقل، ويستند إلى الحقائق والمنطق لإثبات صحة حجة المرء. يبدأ الإقناع بمخاطبة المشاعر ثم يستخدم المنطق ليُثبت الفكرة. إذا وجد المستمع ثغرات في حجتك، فعلى الأرجح، سيتجاهل الرسالة كلها.
أوجه أخرى للتواصل بهدف الإقناع
يُشكِّل مثلث أرسطو أساساً لما نفهمه عن التأثير في العصر الحالي، لكن ثمَّة عوامل أخرى لها دور في العملية. فيما يلي أمثلة أخرى على التواصل بهدف الإقناع:
الإطار الإيجابي: نميل بطبيعتنا البشرية إلى التركيز على السلبيات، لكن إذا بدأنا بوضع الأمور في إطار إيجابي سيتغير مسار الحديث. بدلاً من استخدام أساليب الترويع أو التخويف في عرض مسألة ما، يستخدم الإطار الإيجابي أفضل السيناريوهات المتوقعة. سوف يزيد هذا الأسلوب في الحديث من حماس المستمع وتفاعله مع ما تعرضه من وجهات نظر.
التكرار والثبات: الأمر الذي تسمعه لمرة واحدة لن يكون له تأثير بالضرورة. لكن تكرار الرسائل الأساسية، يجعلها تثبت في الذهن. علاوة على ذلك، ثبات حجتك وعدم تذبذبك في الحديث يُكسبك الثقة والمصداقية.
اعتبارات أخلاقية: كما تشير الكلمة، هذا النوع من الإقناع يركز بقوة على المبادئ الأخلاقية ويهتم بمعاملة الآخرين بكرامة ونزاهة. يجب أن يلتزم الشخص بالصدق في محاولة الإقناع دون أن تكون له أي أغراض خفية، أي أن يكون مهتماً بمصلحة الطرف الآخر.
لماذا يجب تطبيق التواصل بهدف الإقناع؟
لا يتوقف هدف الإقناع عند الوصول إلى النتيجة المرجوة، لأن ممارسة الإقناع باحترام وعناية وهمِّة سوف تترك أثرها على جوانب أخرى في مؤسستك، بداية من ثقافة مكان العمل وحتى معدلات الاحتفاظ بالموظفين. عندما يجد الناس من يفهمهم ويعاملهم باحترام، فغالباً ما سيكونون أكثر انفتاحاً لتقبُّل أفكار جديدة.
بالطبع، يتوقع الموظفون من مؤسساتهم التزام الشفافية والتوافق والاحترام. كذلك لكل منهم أسلوب مختلف في التواصل، لذا على الشركة فهم احتياجاتهم الخاصة والتعامل معها. تبني أسلوب إقناع الموظفين من خلال الاحترام يمنح فريق الموارد البشرية وأصحاب العمل الأدوات التي تجعل كل موظف يشعر بالتقدير والتمكين، وأنه ليس مجرد فرد وسط الحشود.
لكن ما فوائد التواصل بهدف الإقناع في مكان العمل على وجه التحديد؟
الخلافات في العمل: تتمتع شركات عديدة بتنوع الموظفين، أي أنهم يأتون من خلفيات ومعتقدات مختلفة. من الطبيعي أن تنشأ بينهم نزاعات واختلافات في الآراء، قد تتسبب في توتر الموظفين أو تأخُّر العمل الذي قد يؤدي إلى خسائر مالية للشركة.
بصفتهم وسطاء، يجب أن يكون مختصو الموارد البشرية مستعدين للتعامل مع مثل هذه المواقف. تساعد أساليب التواصل بهدف الإقناع طرفي النزاع عن طريق تشجيع الاستقلالية والحوار المفتوح. إذا شعر الجميع بالأمان الكافي لعرض خبراتهم على الآخرين، فغالباً ما سيصلون إلى تفاهم مشترك.
الاحتفاظ بالموظفين: لا يستمر الموظفون غير السعداء في العمل، والسبب الأساسي لرحيل الموظفين هو عدم شعورهم بالاحترام. وفقاً لدراسة أجراها مركز بيو للأبحاث، ذكر 35% من الموظفين أن عدم شعورهم بالاحترام في مكان العمل سبب رئيسي في ترك وظائفهم.
يستطيع فريق الموارد البشرية تطبيق التواصل باحترام بهدف الإقناع في مكان العمل، بهدف الاحتفاظ بأكبر عدد من الموظفين. يمكن تحقيق ذلك من خلال أساليب الإقناع (مثل التعاطف والإطار الإيجابي) للحديث عن قيم المؤسسة ورسالتها وفرص النمو فيها.
علاوة على ذلك، يضمن إدراج الإقناع باحترام في عملية إعداد الموظفين الجدد أنهم سيشعرون بالترحاب والتقدير والحماس منذ اللحظة الأولى.
أساليب تواصل يجب تجنُّبها
توجد أنواع كثيرة من التواصل، ولكنها لا تتساوى في تأثيرها. في حين يُعزز بعضها التفاهم والوحدة، يؤدي بعضها الآخر إلى نشوب النزاعات والتشويش. معرفة أساليب التواصل التي يجب تجنُّبها، ستساعدك في إدراك المشكلات التي قد تنتج عن طرق التواصل غير الفعالة.
أولاً، أسلوب التلاعب. على عكس التواصل بهدف الإقناع الذي يقوم على التفاهم والثقة المتبادلين، تهدف أساليب التلاعب، مثل الكذب المتكرر على الشخص في محاولة لإقناعه بأمرٍ باطل، إلى السيطرة على الآخرين وخداعهم.
الهدف من هذا الأسلوب هو خداع الناس لتقبُّل ما يجهلونه. التلاعب يجعل الأشخاص يتخذون قرارات لا تناسبهم ولا يتخذونها في الأحوال العادية. واستمرار ذلك على المدى الطويل قد يؤدي إلى تدمير العلاقات وفقدان الثقة.
التواصل العدواني أسلوب آخر يعتمد على القسر والمواجهة. يواجه القادة الذين يمارسون أسلوباً عدوانياً في التواصل مقاومة ودفاعاً من الموظفين. قد يذعن الموظفون في النهاية لهؤلاء القادة، لكن هذا النوع من التواصل قد يسبب تراجعاً في العلاقات بينهم ويثير لديهم مشاعر الاستياء.
أخيراً، يهدف التواصل السلبي إلى تجنُّب المواجهة قدر الإمكان. يشيع هذا الأسلوب في التواصل بين من يخشون نشوب الخلافات، ولكنه يؤدي إلى عدم تلبية احتياجات الموظفين ويمنعهم من التعبير عن أفكارهم.
أما الإقناع الموظفين باحترامهم، يشجع الأفراد على التعبير عن آرائهم والمشاركة في مناقشات بناءة.
كيفية تطبيق التواصل بهدف الإقناع باحترام
يجد بعض الناس سهولة في إقناع الآخرين، بامتلاكهم القدرة على التأثير وموهبة اختيار الكلمات المناسبة في الوقت المناسب. لكن أغلب الناس لا يتمتعون بهذه المهارة. لذا يحتاج التواصل بهدف الإقناع، مثل أي مهارة أخرى، إلى التعليم والفهم والممارسة.
يتطلب التواصل بهدف الإقناع أن يمتلك المرء بصيرة أكبر، لما يندرج فيه من أخلاقيات وتعاطف وشفافية. إليك بعض الطرق التي يمكنك بها تعلُّم وتدريس مهارة الإقناع باحترام الآخرين في مؤسستك:
تنمية مهارة الإنصات الفعَّال
لا يقتنع الناس في مكان العمل بمن يتلاعب بالألفاظ أو يلقي الخُطب المنمقة، ولكنهم يريدون أن يجدوا من يسمعهم ويفهمهم.
يركز الإقناع على الطرف الآخر وليس عليك. لهذا يُعد الإنصات الفعال أساساً للإقناع الذي يتسم بالاحترام.
عندما تجري حديثاً مع شخص، امنحه انتباهك التام. أظهِر اهتماماً حقيقياً بأفكاره ومخاوفه، واستخدم أساليب الاستماع الانعكاسي مثل تلخيص ما ذكره من نقاط أو تكرار الكلمات التي قالها. احرص على طرح أسئلة إيضاحية حتى تتأكد من فهمك الكامل لوجهة نظره. لا شك في أن الإنصات الفعال سيساعدك في توجيه الحديث إلى مسار إيجابي.
إبداء التعاطف
التعاطف من أهم عناصر التواصل بهدف الإقناع في مكان العمل. دون التعاطف، سوف تصبح المحادثات بهدف الإقناع حديثاً من طرف واحد ولن تكون مجدية. من الضروري أن يتخيل المتحدث نفسه مكان الطرف الآخر وأن يُقدِّر مشاعره وخبراته.
الاستجابة التي تعبر عن التعاطف ليست صعبة، بل يكفي أن تقول: “أستطيع أن أتفهم وجهة نظرك”، أو “من المنطقي أن يثير ذلك الأمر قلقك”. لكن أهم ما في الأمر أن تكون صادقاً في كلماتك وأن تؤكد على دعمك لمن تُحدِّثه.
التحلي بالشفافية والصدق
في أحيانٍ كثيرة، لا تحظى الشفافية بالتقدير الكافي ضمن عناصر الإقناع، رغم ما لها من دور في بناء علاقات ثقة حقيقية. يسهم بناء الثقة عبر الإقناع الذي يتسم بالشفافية في إقامة علاقات متوازنة. سيشعر الموظفون وأفراد فريق العمل بمزيد من الرضا والثقة والراحة.
عندما تمارس الإقناع الذي يتسم بالاحترام، احرص على تقديم حجج قوية تستند إلى أساس صادق لا يترك مجالاً للغموض، الشفافية ليست فقط وضوح المعلومات والنوايا. عندما يلمس الموظفون صدقك في الحديث، سيصبحون أكثر قدرة على تقبُّل أفكارك طواعية.
فهم احتياجات الطرف الآخر ودوافعه
لا يتخذ التواصل بهدف الإقناع قالباً ثابتاً، فكل فرد تتفاعل معه له طبيعة مختلفة، أي أنه من الضروري اتباع أسلوب خاص مع كل شخص على حدة.
ابدأ بطرح أسئلة مفتوحة، حتى تستطيع فهم ما يفكر به المديرون والموظفون. امنحهم مساحة للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم دون أن تقاطعهم.
استمع إلى مخاوفهم ورغباتهم وأهدافهم. تستطيع في ضوء هذه المعرفة أن تصمم رسالة تتناسب مع احتياجاتهم. يجب أن يكون ذلك جهداً مخلصاً نحو معالجة مشكلاتهم المحددة، وليؤكد على اهتمامك الصادق بمصالحهم وحرصك على إيجاد حلول مفيدة لهم.
في الوقت ذاته، يُفضَّل ألا تتدخل في عمل شخص آخر أو في حياته، حتى إذا كانت نواياك طيبة، حتى لا تثير استياءه.
التحلي بالوضوح
يمكن التواصل باحترام في مكان العمل من خلال الحديث الواضح والمباشر. عندما تعرض أفكارك، تذكَّر أن الوضوح له أولوية، لذا ابتعد عن الالتباس أو الإسهاب أو الالتفاف. إذا كان كلامك غامضاً، فعلى الأرجح لن يفهم الآخر رسالتك.
علاوة على ذلك، يجب أن تستعين دائماً بأدلة وأمثلة ملموسة، فالحقائق والإحصائيات يضفيان مصداقية على ما تدفع به من حجة. احرص على الاستشهاد بمصدر معلوماتك وتأكد من أن هذا المصدر يواكب المستجدات وجدير بالثقة.
معالجة المخاوف والاعتراضات باحترام
اعتاد مختصو الموارد البشرية مواجهة اختلافات وجهات النظر واعتراضات الموظفين. من الطبيعي ألا يتفق الجميع مع آرائك أو أفكارك أو طلباتك.
في الحقيقة، تقبُّل وجهات النظر المختلفة يُحفِّز المؤسسات على النمو. لذا بدلاً من اتخاذ رد فعل دفاعي أو رافض لهذه الاعتراضات، اسع إلى معرفة المزيد، واتخذها فرصة للتعلُّم فقد تقودك إلى حلول مدروسة.
السماح بالاستقلالية وحرية الاختيار
يعني التواصل باحترام في مكان العمل أنك يجب أن تحترم استقلالية كل موظف.
قدِّم للطرف الآخر خيارات متعددة، حتى يستطيع اختيار الأنسب له من بينها. لا يعني الإقناع باحترام فرض السيطرة، ولكن يُقصَد به التأثير على الموظفين حتى يتخذوا قرارات سليمة. عندما تساعد الموظفين على الشعور بالتمكين والاستقلالية، فستفتح الباب أمام إجراء مناقشات بناءة.
ملخص
ليس من السهل اجتياز العقبات أمام حل النزاعات في مكان العمل، لكنَّ صناع القرار في قسم الموارد البشرية مسؤولين عن تعليم فرقهم كيفية تنفيذ ذلك بفعالية. يُعد التواصل بهدف الإقناع في مكان العمل وسيلة مضمونة لإحداث فارق.
يؤثر تعلُّم الإنصات الفعَّال وبناء المصداقية والتعاطف في المؤسسة بعُمق. الأهم من ذلك، قدرة هذه المهارات على التأثير بشكل إيجابي على صحة الموظفين النفسية وسلامتهم بصورة عامة.
يمكنك الآن صقْل مهارات التواصل لديك ولدى فريقك من قسم الموارد البشرية أو الأقسام الأخرى، عبر تصفح قسم كامل يحتوي على دورات تدريبية عن مهارات التواصل على منصة نوليدج سيتي المدعمة بأكثر من 30 ألف فيديو تعليمي باللغتين العربية والإنجليزية مع وجود خيارات الدبلجة، وذلك من أجل رفع وتطوير قدرات الموظفين وتطوير أدائهم في العمل بما يعود على المؤسسة بالنفع والتقدم وإحراز المزيد من النجاح.
اشترك في نشرتنا الدورية
انضم إلى أكثر من 80,000 من خبراء الموارد البشرية واحصل على أفضل النصائح والإرشادات المتعلقة بالتدريب والتوظيف مباشرة على بريدك الإلكتروني. انضم وكُن من أفضل مديري الموارد البشرية الآن.