تخيَّل أنك تقود سفينة في بحر متلاطم الأمواج. لا يختلف ذلك كثيراً عن قيادة فريق في عالم الأعمال اليوم، حيث الوتيرة المتسارعة؛ ومن ثمَّ، عليك ألا تدع الدفة تفلت من بين يديك. الجميل في الأمر هو أن دور المدير لم يعد قاصراً على توجيه الأوامر، بل صار معنياً بإلهام الفريق الذي يعمل تحت إشرافه والحفاظ على شعلة الحماس متقدة في نفوس أفراده والتعاون معهم لتخطي ما يواجه الفريق من تحديات.
تدل التقنيات الحديثة وطبيعة العمل المتغيرة على حاجة المديرين إلى اكتساب قدرة أكبر على التكيُّف وتعلُّم المزيد من المهارات. ولهذا السبب، بات الاستثمار في المديرين شديد الأهمية من أجل نجاحهم مستقبلاً، حيث إننا إذا نظرنا في المستقبل، سيتبين لنا بوضوح أن دور المديرين سيواصل تطوُّره دون شك.
سنتطرق في هذا المقال إلى الاتجاهات والاستراتيجيات الرئيسية في عام 2024 فيما يتعلق بإعداد المديرين، وكيف يمكنك إحداث تغيير جذري في مفهوم القيادة داخل مؤسستك. سنسلط الضوء أيضاً على أفضل الاستراتيجيات المُتبعة لتحويل كل قائد من قادة فريقك من مجرد بحَّار على السفينة إلى ربان قادر على توجيه دفة المؤسسة نحو التغيير، وتجهيزها للتحديات التي تنتظرها.
تغَيُّر دور المدير
إن الدور التقليدي للمدير بصفته صاحب السلطة العليا في اتخاذ القرارات المهمة أصبح فكرةً عفا عليها الزمن، فالمتوقع من المديرين في أماكن العمل حالياً هو القيام بالتوجيه والإرشاد والتيسير، مع تمتعهم بالقدرة على تمكين أعضاء الفريق من تحمُّل مسؤولية عملهم، والمساهمة في نجاح المؤسسة بوجه عام.
في عام 2024، ما زال هذا التوجه يتطور بتولي المديرين أدواراً تقتضي منهم وضع استراتيجيات وامتلاك رؤية ثاقبة. وبذلك، فعليهم التكيُّف مع التقنيات المتغيرة واتجاهات السوق الحديثة واحتياجات العملاء، وفي الوقت نفسه التشجيع على ترسيخ ثقافة قوامها الابتكار والتعاون داخل الفرق التي يتولون قيادتها.
ظهور مفهوم العمل عن بُعد
أدت جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) إلى تسريع وتيرة التحول إلى العمل عن بُعد، وهو اتجاه يُرجح أن يستمر في المستقبل. ومعنى ذلك أنه سيكون لزاماً على المديرين اكتساب مهارات جديدة حتى يتسنى لهم قيادة الفرق العاملة عن بُعد وإدارتها.
ومن بين هذه المهارات القدرة على التواصل بفعَّالية عبر قنوات التواصل الافتراضية وإدارة تفاعلات فرق العمل التي تعمل عن بُعد، والحرص على شعور أعضاء الفريق بالارتباط بالعمل والمشاركة فيه، على الرغم من عدم وجودهم فعلياً في مكان واحد.
أهمية الذكاء العاطفي
لطالما عُدَّ الذكاء العاطفي سمة ضرورية من سمات القيادة الفعَّالة، وقد اكتسب أهمية أكبر بكثير بعد أن صار لزاماً على المديرين اجتياز أوضاع اقتصادية لا تخلو من الصعوبات والتحديات.
فالمديرون الذين يتمتعون بحاصل ذكاء عاطفي مرتفع يكونون أكثر تأهيلاً للتعامل مع الخلافات، وبناء علاقات قوية، وبث الحماس في نفوس أعضاء الفريق حتى يقدموا أفضل ما لديهم من أداء. لذلك سيظل التدريب على زيادة حاصل الذكاء العاطفي وتطويره أحد محاور التركيز في إعداد المديرين خلال السنوات المقبلة.
تحديات أمام التغيير الجذري لمفهوم القيادة
تؤدي الجهود المبذولة في إعداد القادة إلى طرح تحديات عديدة، يجب على المؤسسات التعامل معها بحكمة لتضمن نجاح برامج إعداد القادة. وفيما يلي بعض أهم التحديات التي ستواجهها عند إعداد القادة:
1- تحديد قادة المستقبل: أحد أبرز التحديات التي تقف أمام إعداد القادة هي تحديد الأفراد الذين يتمتعون بإمكانات تتيح لهم الاضطلاع بدور القيادة بفعَّالية. وفقاً لمؤسسة جالوب (Gallup)، تخفق الشركات في اختيار المرشح الكفء والمناسب للوظيفة في 82% من الحالات.
لابد للمؤسسات من وضع إجراءات مُحكمة للتعرُّف على أصحاب الكفاءات حتى تتمكن من تحديد الموظفين الذين يثبتون تمتعهم بالمهارات والسمات والإمكانات اللازمة لتولي الأدوار القيادية بدقة شديدة.
2- توفير موارد كافية: يحتاج إعداد القادة إلى تخصيص استثمارات ضخمة في الموارد، بما في ذلك الاستثمار في الوقت والمال والجهد. فقد تواجه المؤسسات تحديات عند محاولة تخصيص الموارد الكافية لبرامج إعداد القادة، لا سيما عندما تحاول تحقيق التوازن بينها وبين الأولويات الأخرى.
3- تصميم البرامج بحسب الحاجة: تطبق نحو 50% من الشركات برامج لإعداد القادة للارتقاء بأصحاب الكفاءات حتى يتمكنون من تولي مناصب قيادية، وذلك وفقاً لإحصاءات منصة تيم ستيج TeamStage. ونظراً إلى أن كل قائد لديه مواطن قوة وضعف واحتياجات فريدة لأجل تنمية مهاراته، فإن وضع برامج لإعداد القادة للوفاء بالمتطلبات الخاصة بكل منهم قد يشكل تحدياً أمام المؤسسات.
4- التخطيط للتعاقب الوظيفي: من الضروري التخطيط للتعاقب الوظيفي ضماناً لاستمرار إمداد المؤسسة بقادة متمكنين؛ إذ إن تحديد الأشخاص الذين سيخلفون القادة الحاليين وإعدادهم لشغل المناصب القيادية المهمة ومعالجة الفجوات غير المتوقعة، التي تعبِّر عمَّا ينقص المؤسسة من كفاءات، هو جزءٌ لا يتجزأ من إعداد القادة.
5- قياس الفعَّالية: من الأهمية البالغة بمكان قياس فعَّالية المبادرات المخصصة لإعداد القادة، فيجب على المؤسسات وضع قياسات وأساليب تقييم واضحة، حتى يتسنى لها تقييم ما حققته البرامج المتعلقة بإعداد القادة من آثار ونتائج على كل قائد منفرداً أو على أداء المؤسسة ككل.
6- التكيُّف مع الاحتياجات المتغيرة: يشهد قطاع الأعمال تطوراً مستمراً، ما يقتضي من القادة العمل على اكتساب مهارات وقدرات جديدة. كما يتعين على المؤسسات إعداد قادة بمقدورهم التكيُّف مع اتجاهات السوق المتغيرة والتطورات التكنولوجية وأولويات المؤسسة.
7- التغلُّب على مقاومة التغيير: يقاوم بعض القادة مبادرات التطوير، إما لشعورهم بالرضا عن الذات أو نتيجة الخوف من التغيير أو بسبب انعدام الدافع، غير أن التغلب على مقاومة التغيير وترسيخ ثقافة تولي قيمة كُبرى لمواصلة التعلُّم والتطوُّر من ضروريات إعداد القادة.
يُعد إعداد المديرين مسؤولية مشتركة بين المؤسسة ومديريها المحتملين. ففي حين يجب على الشركة توفير الموارد والدعم اللازمَين لإعداد المديرين، على المديرين أنفسهم تحمُّل مسؤولية التطوير والسعي سعياً حثيثاً لتحسين مهاراتهم.
أهم الاتجاهات في إعداد المديرين
فيما يلي توضيح تفصيلي لأكثر الاتجاهات رواجاً في مجال إعداد المديرين:
- التعليم المُعد حسب الحاجة: لقد ولَّت تلك الأيام التي كانت تُعد فيها برامج إعداد قادة تصلح للجميع. فالشركات تدرك حالياً الحاجة إلى برامج إعداد للقادة تتوافق مع مواطن قوة الأفراد وضعفهم وأهدافهم المهنية. وقد يشمل ذلك إعداد تقييمات لتحديد الجوانب التي تحتاج إلى تطوير، ويعقبها تقديم دورات تدريبية أو إتاحة فرص توجيه في مجالات محددة.
- التعلُّم المتنقل: يناسب التعلُّم المصغَّر والوحدات التدريبية التي يسهل دراستها على الأجهزة المحمولة جداول عمل المديرين المزدحمة، مما يتيح لهم تعلُّم دروس صغيرة الحجم وسهلة الاستيعاب على هواتفهم الذكية أو أجهزتهم اللوحية.
- الذكاء الاصطناعي وتحليلات التعلُّم: يُستخدم الذكاء الاصطناعي في تخصيص مسارات التعلُّم والتوصية بمراجع للتعلُّم، بل وتقديم ملاحظات. ومن الممكن للتحليلات متابعة مدى التقدم المحرَز وتحديد الجوانب التي يحتاج المديرين إلى مزيد من الدعم فيها.
- الواقع الافتراضي والواقع المعزَّز: يجري العمل على استكشاف هاتَين التقنيتَين الجذابتين للاستعانة بهما في التدريب على المهارات الشخصية، ما يتيح للمديرين التمرُّن على محادثات أو عروض تقديمية صعبة في بيئة آمنة تحاكي الواقع.
- الجمع بين المناهج المختلفة: إن أكثر البرامج فعَّالية هي التي تطبق مزيجاً من النُهج، مثل تقديم الدورات التدريبية عبر الإنترنت وعقد حلقات عمل حضورية والتوجيه والتعلُّم من الأقران. حيث إن ذلك يخدم بدوره مختلف أنماط التعلُّم ويحافظ على تفاعل الأفراد.
- التوجيه باستخدام سبل التواصل الحديثة: يظل التوجيه حجر الأساس في إعداد المديرين، لكن ثمة أساليب جديدة في التواصل، مثل مؤتمرات الفيديو وأدوات الدردشة، التي تُحَسِّن بدورها من إمكانية الوصول إليه وتجعله أكثر ملاءمة.
- التحول من الإدارة إلى القيادة: يزداد التركيز على إعداد قادة يمكنهم إلهام الفِرق التي يديرونها وتحفيزها وتمكينها، لا أن يقتصر دورهم في الإدارة على توزيع المهام.
- المهارات الشخصية هي الأساس: للقدرة على التواصل بفعَّالية وبناء العلاقات وتجاوز الخلافات أهمية حيوية للمديرين ولا سيما في بيئة العمل بوقتنا الحاضر.
إذا اطلعت المؤسسات على كافة المستجدات المتعلقة بهذه الاتجاهات، فستتمكن من تجهيز مديريها المحتملين بما يحتاجون إليه من مهارات ومعارف ضرورية للنجاح في مكان عمل دائم التغيُّر.
أفضل الممارسات لإعداد المديرين
يحتاج الاستعداد لمنصب المدير إلى استثمار المؤسسات في إعداد المديرين بدءاً من الآن. وإليكَ استراتيجيات يمكنك أخذها بعين الاعتبار في هذا الصدد:
1- برامج التدريب الإداري: برامج التدريب الإداري هي وسيلة معروفة لتنمية مهارات المديرين وقدراتهم. وعادةً ما تغطي هذه البرامج طائفة واسعة من الموضوعات، بدءاً من التواصل وحل الخلافات، ومروراً بالتفكير الاستراتيجي، ووصولاً إلى صُنع القرار.
العامل الأساسي في نجاح برامج التدريب الإداري هو الحرص على إعدادها على النحو الذي يناسب الاحتياجات والتحديات التي تنفرد بها مؤسستك. وقد يتطلَّب ذلك إجراء تقييم للاحتياجات للوقوف على المهارات والكفاءات التي يحتاج مديريك إلى اكتسابها.
2- التوجيه التنفيذي: التوجيه التنفيذي هو أحد الطرق الفعّالة في تنمية مهارات المديرين وقدراتهم أيضاً. والتوجيه التنفيذي، على عكس البرامج التدريبية التقليدية، هو عملية تدريب فردية تعطي الأولوية إلى الاحتياجات الخاصة بكل فرد.
بفضل التوجيه التنفيذي، يتمكن المديرون من تلقي الإرشادات والدعم بشكل شخصي لمساعدتهم على الاستثمار في مواطن قوتهم والاستفادة منها. تفيد هذه الطريقة – على وجه الخصوص – المديرين الذين يمرون بمرحلة انتقالية لتولي مناصب جديدة أو يواجهون تحديات محددة أثناء توليهم لمناصبهم الحالية.
3- برامج الإرشاد: تُعد برامج الإرشاد طريقة ممتازة لتشجيع القادة الجدد في مؤسستك؛ إذ إن الجمع بين مديرين متمرسين وقادة واعدين يمَكِّنك من إرساء ثقافة قوامها التعلُّم والتطوير، الأمر الذي سيعود بدوره بالفائدة على كلا الطرفَين.
يستطيع المرشدون تزويد المتدربين بأفكار قيِّمة بالإضافة إلى الإرشادات والدعم، ما يساعدهم على اكتساب المهارات والقدرات التي يحتاجون إليها للنجاح في الإدارة. وفي الوقت ذاته، يمكن للمرشدين الاستفادة من المتدربين، حيث إنهم سيتعرفون على وجهات نظر جديدة من شأنها مساعدتهم في الارتقاء بمهاراتهم القيادية.
4- دمج التكنولوجيا: تلعب التكنولوجيا دوراً حاسماً في إعداد المديرين في عام 2024. وفقاً لدراسة قادة قطاع التكنولوجيا على الصعيد العالمي خلال عام 2023، الصادرة عن مؤسسة ديلويت (Deloitte)، فإن ما نسبته 43% من قادة قطاع التكنولوجيا يخططون للارتقاء بإتقانهم للتكنولوجيا. الجدير بالذكر أن هناك العديد من المصادر المتنوعة المتوفرة لمساعدة المديرين على تنمية مهاراتهم، من منصات تعليم إلكترونية إلى تجارب محاكاة للواقع الافتراضي.
يمكن لمحاكاة الواقع الافتراضي أن تشكل للمديرين بيئة آمنة تتيح لهم الاندماج بالكامل للتمرن على مهارات القيادة، مثل الحصول على الملاحظات التقييمية والتعامل مع المحادثات الصعبة. من ناحية أخرى، تتيح منصات التعلُّم الإلكترونية للمديرين إمكانية الاستفادة من مجموعة كبيرة من الدورات التدريبية ومصادر التعلُّم التي تساعدهم على اكتساب قدرات محددة.
خاتمة
إن دور المدير يتطور باستمرار، ومن هذا المنطلق، بات الاستثمار في إعداد المديرين ضرورة لا غنى عنها. وإذا تبنَّت المؤسسات أحدث الاتجاهات والاستراتيجيات، فسوف تتمكن من إحداث تغيير جذري في مجال القيادة وتعِد مديريها للنجاح في عام 2024 وما يليه.
من خلال الجمع بين برامج التدريب الإداري والتوجيه التنفيذي والإرشاد من ناحية، والتكنولوجيا من ناحية أخرى، ستتمكن المؤسسات من إعداد مجموعة قوية من القادة المحتملين المجهزين بما يلزمهم، لا لتجاوز التحديات فحسب، وإنما لاقتناص الفرص التي يقدمها المستقبل أيضاً.
ماذا تقدم نوليدج سيتي في هذا الأمر؟
تحرص نوليدج سيتي دائما على مواكبة كل ما هو جديد ومستحدث في مجال تدريب وتطوير قدرات موظفي الشركات ومؤسسات الأعمال. انطلاقاً من هذا المبدأ تقدم نوليدج سيتي منصة تدريبية رائعة يمكن للشركات أن تستعين بها في إعداد وتدريب موظفيها الواعدين للانتقال بهم إلى مرحلة القيادة.
تبدأ برامج التدريب على الإدارة في نوليدج سيتي عادةً بتقييم الاحتياجات التدريبية للموظفين البارعين، وهي مُعدَّة خصيصاً لتناسب متطلبات مستوى الإدارة الوسطى أو المناصب التنفيذية. ثم يتم إعداد مسارات تدريبية ملائمة، يستطيع فيها المتدربون التدرُّب على الإدارة من خلال تعلُّم مهارات مثل التواصل بوضوح وتقييم الأداء وتحقيق الأهداف وتقديم الدعم الإيجابي وحل المشكلات. يمكن اكتشاف جميع هذه المميزات بالتفصيل من خلال طلب حساب تجريبي للشركات، لنبدأ الرحلة الآن.
اشترك في نشرتنا الدورية
انضم إلى أكثر من 80,000 من خبراء الموارد البشرية واحصل على أفضل النصائح والإرشادات المتعلقة بالتدريب والتوظيف مباشرة على بريدك الإلكتروني. انضم وكُن من أفضل مديري الموارد البشرية الآن.