السلطة في مكان العمل: من يمتلكها؟ وفيم تُستغَل؟ وكيف تنالها؟
السلطة من المفاهيم التي يُسَاء فهمها واستغلالها في عالم الأعمال. رغم أن المؤسسات كلها تعتمد على تسلسل قيادي مُحدَّد يضمن فعالية العمل فيها، فإن الكثير من الموظفين يجهلون المغزى الحقيقي للسلطة في مكان العمل، ومدى تأثيرها على نموهم مهنياً.
ما المقصود بالسلطة في مكان العمل؟
السلطة هي القدرة على توجيه تصرفات الآخرين أو إدارة مسار الأحداث. صاحب السلطة لديه القدرة على التأثير في سلوكيات الآخرين أو توجيه سير العمل في المؤسسة كيفما يشاء.
أصحاب المناصب الإدارية العليا أو مراكز اتخاذ القرار هم من يمتلكون السلطة في مكان العمل، غير أن تفاعلات الأشخاص في إطار علاقاتهم بمكان العمل وآليات العمل التي تدفع الشركات إلى الأمام قُدماً قد أسفرت عن أشكال مختلفة للسلطة، يصعُب تعريف بعضها.
أنواع السلطة
لتحديد من يمتلك السلطة في مكان العمل، يجب أولاً تعريف النماذج المختلفة للسلطة ، كما يجب فهم تأثيرها في نمو المؤسسة وتطورها.
في عام 1959، حدد أخصائيا علم النفس الاجتماعي جون فرنش وبرترام رايفن خمسة مصادر للسلطة، وأضاف الأخير مصدراً آخر في عام 1965. تُحدِّد أنواع السلطة درجة تأثير الموظفين بعضهم على بعض.
السلطة الشرعية
السلطة الشرعية نوع خارجي من السلطة يستمد شرعيته من مركز نفوذ مُحدَّد، ويقتضي طاعة كل من يقع في دائرة نفوذه.
من يتبوأ هذا النوع من السلطة غالباً ما يُعيَّن أو يُنتخَب لمنصب، فما أن يرحل عنه حتى يزول عنه نفوذه.
المديرون والمشرفون وكل من يشغلون مراكز النفوذ في الهيكل التنظيمي لهم سلطة شرعية تخولهم توجيه مرؤوسيهم للاستجابة لتعليماتهم.
من العناصر الهامة في السلطة الشرعية أن نطاقها ونفوذها مُحدَّدان ومُقيدان بالمنصب الذي يشغله صاحبها. مثلاً، يمتلك رئيس قسم الدعاية والإعلان بشركة حرية اختيار الاستراتيجيات المعمول بها لاجتذاب المستهلكين، غير أنه يخلو من أي سلطة تتعلق بدفع الرواتب أو تعيين الموظفين الجدد.
سلطة المكافأة
سلطة المكافأة تشير إلى قدرة المرء على منح الآخرين امتيازات مادية أو اجتماعية أو معنوية، أو حرمانهم منها نظير أداء مهمة معينة. مثلاً، يمنح الآباء أبناءهم هدايا مالية أو يسمحون لهم بمشاهدة التلفاز لفترة أطول مكافأة لهم على نجاحهم الباهر.
في مكان العمل، يظهر هذا النوع من السلطة غالباً عندما ينال الموظفون مكافآت مالية أو ترقيات أو غيرها من الامتيازات المشابهة تقديراً لأدائهم المتميز، لكن إذا لم تتيح الميزانية للقادة فرصة منح المكافآت أو إعطاء الجوائز، فسيترتب على ذلك إضعاف سلطته.
السلطة المرجعية
السلطة المرجعية نوع داخلي من السلطة غالباً ما تستأثر به الشخصيات المحبوبة والجذابة. على النقيض من السلطة الشرعية التي تُكتسَب بالتعيين، تشير السلطة المرجعية إلى القدرة الشخصية للمرء على إملاء رغباته على الآخرين دون إلزام قانوني.
السلطة المرجعية تتوافر لدى الموظفين القادرين على اجتذاب الآخرين إليهم دون مشقة أو تكلُّف. هؤلاء الأفراد قادة بالفطرة، ويراهم الآخرون أذكياءً ومحل ثقة لأن مهاراتهم الشخصية الرائعة في التعامل مع الآخرين تنضح بالثقة وتُجبِر الآخرين على اتِّباعهم.
سلطة الخبرة
كما يوحي المُسمَّى، تُستمَد سلطة الخبرة من المعرفة المتخصصة العميقة التي يمتلكها المرء، ومن خبرته الشاسعة في مجال معين. هذا النوع من أنواع السلطة القليلة التي يمتلكها المرء بمجرد أن يصقل مهارة معينة أو يتقن أحد فروع المعرفة.
من الجوانب السلبية لسلطة الخبرة أن استخدامها يعني اكتساب الآخرين لها. لنفترض مثلاً أنك مدير مشروعات يتولى الإشراف على فريق، وعليه فإنك ستدرِّبهم على إدارة المشروعات كما ينبغي، ومن جانبهم سيواصلون التعلُّم بملاحظتك أثناء العمل. معنى ذلك أنهم كلما ازدادوا علماً وخبرة، تناقصت مساحة سلطتك بصفتك خبيراً.
السلطة القسرية
تنبثق السلطة القسرية من القدرة على إلحاق تبعات سلبية بنتائج غير مرغوبة. يمارس المشرفون هذا النوع من السلطة عند معاقبة مرؤوسيهم على سوء الأداء أو التغيب عن العمل بدون أسباب وجيهة. بعبارة أخرى، السلطة القسرية يُنظَر إليها غالباً باعتبارها من أساليب التنمر.
يرفض مجتمع الأعمال السلطة القسرية، ويجري الباحثون دراسات لإثبات عدم فعاليتها في تحقيق النمو والتطور. السلطة القسرية تقلل احترام الموظف لذاته وتترتب عليها مشكلات نفسية عديدة مما يغذي الشعور بالاحتراق في مكان العمل.
سلطة المعلومات
سلطة المعلومات تشير إلى القدرة الاستراتيجية على إفشاء معلومات مؤثِّرة أو حجبها. نطاق النفوذ في هذا النوع من السلطة يكمن في أهمية المعلومات وتوقيت إفشائها.
للاستحواذ على هذا النوع من السلطة، على المرء أن يظل في موقع يسمح له بالاطِّلاع باستمرار على المعلومات الخطيرة والمؤثرة. كما أنه يحتاج إلى تحديد الوقت المناسب للكشف عن المعلومات.
هذا النوع الدقيق من السلطة يضر بصاحبه، ويجر عليه تبعات فجائية وغير مستحبة وفقاً لطريقة تعامله معها. مثلاً، عند نشر أخبار سرية عن تخفيض وشيك للرواتب، يجعل ذلك الموظف مقرباً لدى زملائه غير أنه يُعرِّضه لإجراءات عقابية من إدارة الشركة. إفشاء المرء للمعلومات التي بحوزته يجر عليه فقدانه للسلطة.
من يمتلك السلطة في مكان العمل؟
الإجابة المختصرة هي: الجميع، فبغض النظر عن مراكز الموظفين، يمتلك كل موظف، أياً كان موقعه في الشركة، قدراً من السلطة، كما أنه يؤثِّر في نموها وتطورها بصورة أو بأخرى.
لكن ما يميز أصحاب السلطة الحقيقيين في المؤسسة عن بقية العاملين هو درجة النفوذ. بناءً عليه، يمكن تقسيم أصحاب السلطة في مكان العمل إلى فئتين.
أصحاب السلطة المُخوَّلة
السلطة المُخوَّلة تشير إلى جميع أنواع السلطة التي تُمنَح للمرء سواء بالتعيين أو بالتفويض. يندرج ضمن هذه الفئة أصحاب السلطة الشرعية والسلطة القسرية وسلطة المكافأة.
هذه المجموعة من أصحاب السلطة يُشكِّلون حلقة محورية في التسلسل الهرمي التنظيمي بداية من مسئولي الإدارة العليا التنفيذيين – وهم على الأرجح من يُخوِّل السلطة للآخرين – وصولاً إلى الموظفين النظاميين. مثلاً، يُمكِن القول إن المدير التنفيذي وحارس الأمن على بوابة الشركة كل منهما يمتلك سلطة مُخوَّلة.
أصحاب السلطة المُكتسَبة
تُستمَد السلطة المُكتسَبة من خبرة الموظف أو قدراته الاستثنائية، وتشير إلى نوع النفوذ الذي يكتسبه المرء من جراء تميزه في أداء مهام معينة لكي يصبح من أصحاب السلطة. تندرج السلطة المرجعية وسلطة الخبرة ضمن هذه الفئة، إذ يجب على الساعين إلى اكتسابها أن يعملوا على تنميتها.
تتسم السلطة المُخوَّلة بثباتها وارتباطها بمنصب مانحها وإمكانية تعديلها حسب رغبته بينما تختلف السلطة المُكتسَبة باختلاف المواقف وترتبط بمن يشغل المنصب.
انعكاسات السلطة في مكان العمل
في حقيقة الأمر، تنشأ السلطة حيثما تُوجَد علاقة بين شخصين أو أكثر، بغض النظر عن التسلسل الهرمي الرسمي أو مسميات المناصب. السلطة في حد ذاتها ليست سمة إيجابية ولا سلبية، بل إن طرق ومبررات استخدامها هي التي تُحدِّد نفعها من ضررها.
يتحمل أصحاب السلطة الشرعية في مكان العمل التزاماً تعاقدياً باستخدام السلطة لمساعدة شركتهم على النمو والتطور. تُشكِّل طريقة ممارستهم لسلطاتهم التفاعلات داخل المؤسسة وتحدِّد حجم مشاركة الموظفين في تحقيق أهدافهم وغاياتهم.
تحديد الوقت المناسب لاستخدام الأنواع المختلفة للسلطة من السمات التي تُميِّز المديرين الأكْفاء عن غيرهم. كذلك، فإن استيعاب القادة للتفاعلات في إطار ممارستهم للسلطة وبراعتهم في ذلك سيساعدهم على التأثير في معنويات الموظفين وإنتاجيتهم تأثيراً إيجابياً.
كيفية تسخير السلطة في مكان العمل؟
على كل مؤسسة تنشد التميز أن تضع تعريفاً واضحاً لتسلسل السلطة. حسن استخدام السلطة له فوائد عديدة، منها تحسين التواصل والتعاون وإرساء ثقافة العمل وترسيخ المساواة بين الموظفين.
نستعرِض فيما يلي استراتيجية تفصيلية لكل من يرغب في الاستفادة من سلطته واستغلالها لصالح العمل.
الخطوة الأولى: تقييم الوضع الراهن
على كل من يرغب في استخدام سلطته فيما يفيد أن يُقيِّم أولاً الوضع الراهن في العمل لتحديد مستوى نفوذه. على المرء أن يكتشف أنواع السلطة التي يمتلكها في الوقت الراهن ومستوى نفوذه في كل نوع منها.
الخطوة الثانية: معرفة الحدود
على المرء معرفة حدود السلطات التي يمتلكها. مثلاً، معرفة حدود سلطة الخبرة ستسمح للمرء بتحسين عمله في مجالات نفوذه. كما أنها ستمنعه من تجاوز حدوده، مما يساعده على تفادي الصدام مع باقي أصحاب السلطة داخل المؤسسة.
الخطوة الثالثة: وضع الأهداف
على صاحب السلطة أن يضع أهدافاً محددة يرغب في تحقيقها عبر سلطته المُحدَّدة. مثلاً، قد يتخذ المشرف الذي يمتلك سلطة المكافأة قراراً بتحفيز مرؤوسيه باستخدام حوافز مغرية مما يعزز إنتاجية الفريق ويُميِّزه عن بقية الفرق.
الخطوة الرابعة: تحديد الاستراتيجيات
تختلف نقاط قوة الأنواع المختلفة للسلطة، ولذا فإنها تتطلب أنماطاً تطبيقية مختلفة. لكي يحقق المرء أقصى استفادة من نفوذه، يجب عليه تبني استراتيجية تجمع بكفاءة بين نقاط قوته كلها لتحقيق هدفه المنشود.
قد تمزج استراتيجية بين فوائد سلطة المكافأة والتزامات السلطة الشرعية، ويُعدُّ ذلك حافزاً للموظفين لزيادة إنتاجيتهم، في حين أن مديراً مختلفاً قد يُضيف القوة القسرية إلى هذا المزيج بمعاقبة المتقاعسين عن العمل.
الخطوة الخامسة: تقييم النتائج
تتضمن الخطوة الأخيرة مراجعة الاستراتيجيات التي نُفِّذت وقياس مدى فعاليتها بناءٍ على النتائج التي تحققت. يعني ذلك قياس حجم النجاح والفشل على حد سواء.
إذا تحققت الأهداف المنشودة، على المرء أن يحلِّل مدى إسهام كل استراتيجية اختارها في خروج النتائج المرجوة. إذا لم تتحقق الأهداف بعضها أو كلها، يجب حينئذ التركيز على تحليل المحاولات لمعرفة أوجه القصور والجوانب التي تستدعي التحسين.
فهم التفاعلات التي تنشأ في إطار ممارسة السلطة في مكان العمل أمر ضروري لمن يسعى إلى استخدام نفوذه في المؤسسة. الاختبار الحقيقي للقائد الناجح يتمثل في قدرته على الاعتماد على أنواع السلطة المتنوعة في المواقف المختلفة. كما أن حسن التقدير من أهم العوامل المساعدة عند استخدام السلطة، فالقادة الناجحون يعلمون متى يتطلب منهم الموقف عدم اتخاذ أي رد فعل.
لكي يجيد الشخص التعامل مع التفاعلات في إطار ممارسة السلطة، عليه أن يكتسب معرفة قوية بالعاملين في المؤسسة. ستساعده معرفته بنقاط قوتهم ونقاط ضعفهم ومخاوفهم وطموحاتهم في وضع خطة تحدِّد أفضل الطرق للتفاعل معهم والتأثير فيهم.
تسخير السلطة والاحتفاظ بها مهارة تتطلب المثابرة والممارسة. على كل من يريد أن يصبح قائداً مؤثِّراً أن يخصص وقتاً لممارسة هذه المهارة والتعلُّم من أخطائه.
التفاعلات الصحية في إطار ممارسة السلطة تُحسِّن العلاقات الشخصية بين الموظفين على جميع المستويات داخل المؤسسة، مما يهيئ بيئة عمل متناغمة تحض على النمو.
اشترك في نشرتنا الدورية
انضم إلى أكثر من 80,000 من خبراء الموارد البشرية واحصل على أفضل النصائح والإرشادات المتعلقة بالتدريب والتوظيف مباشرة على بريدك الإلكتروني. انضم وكُن من أفضل مديري الموارد البشرية الآن.